وائل عبد الفتاح يكتب في التحرير: قتل الأب
by Tahrir News on Saturday, July 23, 2011 at 9:39am
هذه هى الثورة..
هتفت بعد لحظات طويلة من الصمت.
الأصدقاء تصوروا أنى فى سكرات النوم العزيز، وأننى أتحدث إلى أشباحى.
لكنهم أدركوا أننى أحاول الإجابة عن سؤال ألقى فى حوارات المساء، ودارت حوله تنظيرات وآراء واشتعلت حوله الخلافات.. «هل انتهت الثورة؟.. هل تحولت الثورة إلى انقلاب عسكرى؟»..
كنا فى قلب الميدان، والجدل دائر حول «شكل الميدان» وصورته أمام المجتمع.
الميدان انقسم فى ساعات الفجر الأولى إلى حلقات نقاشية.. حول المستقبل وموقع كل مؤسسة فى تركيبة الحكم الجديدة.. ماذا تعنى الديمقراطية؟ وهل الثورة مجرد غزوة تحرر الصندوق وتخطف الحكومة؟
الإخوان والجيش والسلفيون وائتلاف الثورة والشباب والبلطجية والباعة الجائلون والمقيمون على الكنبة و.. كل هذه عناصر تتناثر بين كلمات حول ما سيحدث فى الغد؟
الثورة هنا بالضبط..
كل شخص يتصور أنه شريك فى صناعة الغد.
شراكة لم تتحقق بسهولة، وربما لم تتحقق حتى الآن، لأننا أسرى تربية عاطفية ترى الحاكم أبا، والخروج عنه معصية، والثورة عليه نكران للجميل.
الثورة فى عمقها كانت على هذه التربية العاطفية التى حولت الشعب إلى قعان عبيد ينتظرون كل شىء من أعلى.
لهذا يلعب الفلول والثورة المضادة على فكرة الأب الغائب.
رغم أن مبارك لا يصلح لدور الأب حتى فى المسلسلات الفاشلة التى تملأ ساعات رمضان بكل أنواع الغثاء الإنسانى.
مبارك لا يصلح فى دور الأب، لأنه ببساطة لا يملك مقوماته ولا موهبته ولا شخصيته.
هكذا كتب المصريون على جدران البيوت ليلة وداع عبد الناصر: «إلى جنّة الخلد».. ظلت العبارة على جدران البيوت سنوات طويلة، مرفقة برسم للرئيس، وهو يطير بأجنحة الملائكة إلى السماء. آخر بقايا الجنازة التاريخية، لافتقاد زعيم مارس أبوّته فى عقد الستينيات، وظلت الجماهير متمسكة بهذه الأبوة رغم الهزيمة فى ١٩٦٧.. أنور السادات كان زعيما بمعنى مختلف، لم تكتب له عبارات الخلود على الجدران. كاريزماه لها طبيعة نجوم السينما، وصناع الصدمات الكهربائية، كاريزما عشاق المتع لا الأبطال المستعدين لتقديم تضحيات، وعشّاقه سجلوا على قبره المجاور للجندى المجهول: عاش ومات من أجل السلام، وحده حسنى مبارك حقق الخلود على الكرسى بكل أنواع الغراء الشرعية وغير الشرعية. لم يحكم بكاريزما الزعماء الملهمين ولا زعماء الصدمات السياسية، موظف، تكنوقراط، مغرم بالطيران تحت الرادار. كاد أن يلتهم مصر كلها بسبب أنانيته المفرطة، مبارك هو الرئيس الذى حقق ما لم يحققه أبناء الثورة، استمر فى الحكم أكثر من عبد الناصر والسادات معا. تعلّم السياسة فى البلاط (قصر الرئاسة) على أنها فن إدارة الحكم، لا مواقف سياسية ونضالات ومقاومة ومشاريع، ولهذا كان الأب المناسب لمشهد نهاية الجمهورية الأبوية.
ضعيف وأنانى، ترك البلد كلها لعصابة، وهذه لحظة مناسبة لقتله بالمعنى النفسى.
الإبداع يحدث عندما يقتل الطفل الأب بالمعنى النفسى عند فرويد، أى يتحرر من سلطته والشعب المصرى تحرر من مبارك واقتنص حق الكلام فى السياسة والتفكير فى المستقبل، بعيدا عن الوصاية والقرارات التى تطبخ فى الغرف المغلقة.
هذه هى الثورة، لم تعد القرارات تسقط من أعلى، ولا السياسة حكرا على الرئيس وحاشيته، ثورة ضد تربية العبيد العاطفية.
وهنا فإن شرعية الجمهورية الجديدة فى مصر، هى شرعية يناير التى تحاول إنهاء سنوات طويلة من حكم الآباء القادمين من الثكنات.
وهذا هو الفرق بين يوليو ويناير.
No comments:
Post a Comment