بلال فضل يكتب في التحرير: ما قاله الكرسي للمقعدة
by Tahrir News on Thursday, July 28, 2011 at 1:16pm
هل يحن كرسى الحكم إلى مقعدة الحاكم المخلوع؟، وهل تحن هى بدورها إليه؟!، ذاك سر لا يعلمه إلا الاثنان.
أعلم والله، أنه لا تنطق الكراسى، لكن المقاعد تنطق بلسان أصحابها، ولا شك أنها لو نطقت على لسانهم لبثت الكثير من أشواقها إلى ذلك الكرسى الذى قد تتعدد هيئاته وموديلاته وطرائق صنعه، لكنها تعطى للمقعدة التى تجلس عليها أهمية خاصة، تجعلها مقعدة تاريخية، وما كل المقاعد تدخلن التاريخ لمجرد جلوسهن على كرسى فترة طويلة، قد يجلس الخياط على كرسيه ستين عاما يرتق ويقص ويرفو ولا يفرق كل ذلك مع التاريخ ببصلة، لكن مقعدة أخرى لحاكم طائش قد تجلس على كرسى الحكم عاما أو عامين فيحصل رهط من أساتذة التاريخ على دراسات فى الماجستير والدكتوراه حول صاحبها ودوره فى حركة التاريخ.
هل فكر باحث قليل الحياء يوما فى أن يجرى دراسة حول دور المقعدة فى صناعة القرار السياسى؟، ألا يقولون إن البحث العلمى لا سقف له؟! فلماذا نضع له سقفا فى هذه المنطقة بالغة الانخفاض؟، لست مطلعا على الدراسات السابقة عن موضوع شائك كهذا فى البحث العلمى الغربى، لكننى قرأت مرة عن دراسة علمية اكتشفت علاجا فعالا للإدمان هو الضرب على المقعدة، ويومها تساءلت: هل يصلح ذلك للعلاج من إدمان السلطة أو النفاق أم أنه مقتصر فقط على إدمان المخدرات؟، لكى أترك الكتابة وأصبح إخصائى علاج طبيعى فأسهم فى تحرر الشعوب من ربقة الاستبداد، وبالطبع لم يجبنِ أحد، لأننا نعيش فى شعوب تميل إلى الإحساس بكونها أرقى بكثير من أن تجيب عن مثل هذه الأسئلة المنحطة.
طيب.. إذا كان السؤال الأول غير مشروع فدعونا نستبدله بسؤال مشروع لا ريب فيه، ببساطة لماذا لا يفكر أحد فى أن يجرى دراسة حول دور الكرسى فى صناعة القرار السياسى؟، عادة يسألون الأدباء والكتاب الفائزين بجائزة نوبل للأدب عن طقوسهم فى الكتابة وهل يكتبون على المكتب أم على مائدة الطعام؟، ويبدو القراء دائما شغوفين بمعرفة الإجابة، بينما لا تجدهم مهتمين بالسؤال عن طبيعة الكرسى الذى صدرت من فوقه أبرز القرارات التى حرمت الملايين من هناء الجلوس على كراسيهم دون قلق أو غضب، بالله عليك ألن يكون ممتعا للغاية ذلك الكتاب الذى سيحمل عنوان (كراسى الحكم)؟ خصوصا لو صدر فى ورق مصقول يحوى ملزمة فاخرة بها صور لنماذج متنوعة من الكراسى التى جلس عليها حكام العالم وأصدروا من عليها أهم قراراتهم التاريخية، لنعرف: هل تطابق كراسيهم تلك الصور النمطية التى نحتفظ بها فى أذهاننا لكراسى الحكم المذهبة المبطنة بالجلد الفاخر الذى يكسو حشايا وثيرة لا تعرف يد المنجد إليها سبيلا؟.
أرجوكم لا تحطوا من قدر الكتاب الذى أقترحه فتتعاملوا معه على أنه سيكون أشبه بعدد خاص من مجلات الديكور المبتذلة. من قال لكم إن ذلك الكتاب لن يحاول الإجابة عن أسئلة عميقة المغزى، يمكن أن تضىء الكثير من كواليس صناعة القرار السياسى؟، أسئلة مصيرية من نوعية: هل يؤثر كون كرسى الحكم مريحا أو وثيرا على طبيعة القرار السياسى؟، ألم نكن نشكو ونحن طلاب من أن كرسى الامتحان لم يكن مريحا ولذلك لم نتمكن من أن نجيب عن هذا السؤال أو ذاك؟، ألا تختار ارتياد مقهى بعينه، لأنك ترتاح إلى كراسيه الخشبية، بينما تنفر من مقهى آخر بسبب كراسيه البلاستيكية التى تظل تتزحلق ما ظلت عليها عاكفا؟، بالمقابل هل يمكن أن يرتاح الحاكم إلى كرسى حكم بعينه، لأنه دائما يصدر قراراته التاريخية من عليه؟، هل يتفاءل الحكام بكرسى حكم معين وينفرون من آخر؟، هل ينقبض قلب الحاكم إذا قال له مسؤولو الصيانة فى قصر الحكم: إن كرسى حكمه يحتاج إلى إصلاحات؟، وبعيدا عن التغيير السياسى: كم مرة تعرض كرسى الحكم للتغير الفيزيقى فى قصر هذا الحاكم أو ذاك؟، وهل تخضع كراسى الحكم لتفتيش دورى من أجهزة المخابرات للاطمئنان إلى عدم وجود أجهزة تنصت أو كاميرات خفية مدسوسة فى حشيتها أو ثناياها من قبل أجهزة مخابرات معادية أو صديقة ترغب فى معرفة بواطن الأمور؟، هل يختار الحاكم كرسى الحكم مشترطا ألا يكون قد جلس عليه أحد من قبل أم أنه يأتى فيجده جاهزا؟، أم أن السيدة الأولى هى التى تختاره له على ذوقها الخاص؟، وهل من حق الشعب فى الديمقراطيات العتيدة أن يختار كرسى الحكم الذى يجلس عليه حاكمه؟، وهل يأخذ الحاكم فى البلاد الديمقراطية كرسى الحكم معه عندما يرحل عن الحكم بقرار من شعبه؟، وهل يقول الكرسى لمقعدة الحاكم المستبد بعد عمر طويل «ارحل يعنى امشى»؟.
مجرد أسئلة يا سيدى، فهل حَرُمَ السؤال؟
No comments:
Post a Comment